تمويل التنمية.. الفريضة الغائبة في اليمن

خلال الفترة 1995-2014، نفذت الحكومات المتعاقبة في اليمن أربعة خطط تنموية، وتحقق تقدم محرز في مجالات التنمية البشرية “التعليم والصحة” والبنية التحتية “الطرقات والمياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات” فضلاً عن حدوث تطور ملموس في قطاعات النفط والغاز والصناعة وغيرها من القطاعات.

وفي هذا الإطار، لعبت وزارة التخطيط والتعاون الدولي دوراً محورياً في التنسيق مع الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى ومع المحافظات لإعداد الخطط التنموية كل خمس سنوات وفقاً لمنهجية علمية تتسق مع أولويات التنمية الوطنية، كما قامت الوزارة بالتنسيق والتعاون مع الجهات المانحة لحشد الموارد المالية اللازمة لسد الفجوة التمويلية للمشاريع التنموية الواردة في خطط التنمية وبرامجها، وعُقدت أربع مؤتمرات للمانحين في بروكسل وباريس ولندن والرياض لتمويل المشاريع الاستثمارية في تلك الخطط من الجهات المانحة وعلى رأسها البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والعديد من مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية.

وكانت مصادر التمويل لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتكون من الموارد المحلية “عوائد النفط والغاز والضرائب والجمارك”، ومن المصادر الخارجية “القروض الميسرة والمنح والمساعدات” وبنظرة سريعة على أهم المشاريع التنموية الاستراتيجية، فإن تمويلها كان من القروض والمساعدات، مثل سد مأرب ومحطات الكهرباء وشبكات الربط بين المدن والمحافظات، ومعظم المطارات، والطرقات الرئيسية بين المحافظات، والأنفاق والجسور في صنعاء، وشبكات المياه والمجاري في المدن الرئيسية والثانوية وجامعات صنعاء وعدن وتعز وذمار وحضرموت، وآلاف المدارس والمستشفيات العامة في عدد من المحافظات.

وللأسف، سببت الحرب منذ اندلاعها في 2014، توقف عوائد الصادرات من النفط والغاز وتجميد القروض والمساعدات التنموية، كما أدت إلى الخراب والدمار في مشاريع البنية التحتية من الكهرباء إلى الجسور ومحطات الاتصال والمرافق العامة والخاصة، وفقدت اليمن التمويل لعدد من المشاريع الهامة، مثل محطة الكهرباء الغازية 2 في مأرب، ومطار صنعاء الدولي، والمدينة الطبية بتعز، ومحطة توليد الكهرباء بالرياح في ذو باب والطريق السريع بين تعز وعدن، فضلاً عن مئات المشاريع في قطاعات الطرق والمياه والتعليم والصحة وغيرها.

غياب الخطط التنموية

رغم الهدنة القائمة منذ ثلاث سنوات، فإن كلّاً من سلطتي عدن صنعاء تعملان وفقاً لمبدأ “ما بدى بدينا عليه”، فليس هناك أي تحضير لإعداد خطط وبرامج تنموية تناقشها وتوافق عليها الحكومة ويقرها مجلس النواب، بل إن السلطتين في صنعاء وعدن تديران موارد الدولة بدون ميزانية عامة توضح حجم الإيرادات والنفقات العامة، مما يدل على التخبط وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الاحتياجات التنموية في كل القطاعات والمحافظات.

وزارة التخطيط والتعاون الدولي في سلطة عدن مغيبة وغير فاعلة في إعداد خطط التنمية وبرامجها، وتفتقد للوسائل والآليات اللازمة لحشد الموارد من الجهات المانحة والتنسيق معها لتنفيذ المشاريع التنموية، مما جعل بعض الجهات المانحة تتكفل بتمويل مشاريعها وتنفيذها من دون وجود خطة وطنية لها، البرنامج السعودي مثالاً.

وفي المقابل، أقدمت سلطة صنعاء مؤخراً على إلغاء وزارة التخطيط والتعاون الدولي من هيكل الحكومة، مما يعكس الجهل بأبجديات عمل الحكومة وبأهمية وجود خطط تنموية تحدد الأهداف والأولويات الوطنية وحشد الموارد لتمويل المشروعات الاستثمارية في كل القطاعات والمحافظات، فالتخطيط يعتبر وظيفة سيادية للدولة، والحكومة ملزمة دستورياً بإدارة الشأن الاقتصادي وفقاً لخطة عامة للدولة.

الدستور في المادة (9) ينص على أن “تقوم السياسة الاقتصادية للدولة على أساس التخطيط الاقتصادي العلمي، وبما يكفل الاستغلال الأمثل لكافة الموارد وتنمية وتطوير قدرات كل القطاعات الاقتصادية في شتى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي إطار الخطة العامة للدولة بما يخدم المصلحة العامة والاقتصاد الوطني”. فالخطة تمثل وثيقة مرجعية للحكومة لتنفيذ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، كما تعتبر إطاراً معرفياً للتنسيق والتعاون مع الجهات المانحة حتى تتمكن من دعم جهود التنمية الوطنية وفقاً للأولويات والاحتياجات الملحّة.

انحسار التعاون الدولي

يفرض الواقع الراهن للأوضاع الاقتصادية في اليمن ضرورة الانتقال من مرحلة تلقي المساعدات الإنسانية إلى مرحلة البحث الدؤوب عن مصادر لتمويل مشاريع تنموية تساهم في تحسين الظروف المعيشية والحدّ من البطالة والفقر، وما يؤسف له أنّ كلّاً من سلطتي عدن وصنعاء يفتقدان لوثيقة وطنية تحدد الاحتياجات التنموية ذات الأولوية في المدى القصير والمتوسط لعرضها على مجتمع المانحين لحشد الموارد لتمويل مشاريع التنمية بالبلاد، فكلتا السلطتين تتبعان سياسة تصفير التعاون الدولي وعدم الاكتراث بتعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الصديقة والشقيقة أو مع المؤسسات الإقليمية والدولية.

سلطة صنعاء ألغت الوزارة المعنية بالتعاون الدولي، وهذا أعطى رسالة للمانحين بأن السلطة غير معنية بالتنسيق والتعاون مع الأسرة الدولية لمعالجة التحديات الإنسانية والتنموية التي تواجه اليمن في أزمتها الراهنة، كما أن سلطة عدن تكاد تكون غائبة عن التنسيق والمتابعة للمشاريع والأنشطة التي تنفذها الجهات المانحة.

البنك الدولي، مثلاً، لا يزال يقدم مساعدات معتبرة في المجال الإنساني والتنموي، بلغت خلال فترة الحرب أكثر من 4 مليارات دولار، ونتيجة لضعف أداء الجهات الحكومية المعنية بإدارة المشاريع وبالمتابعة والتقييم لها، فإن البنك الدولي، خلال فترة الحرب، يقدم دعمه لليمن من خلال مؤسسات الأمم المتحدة وبالشراكة مع مؤسسات وطنية ذات سمعة طيبة وخبرة واسعة في إدارة المشاريع وتنفيذها، مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة، اللذين اكتسبا ثقة المانحين واحترامهم خلال أكثر من عقدين من الزمن، منذ تأسيسهما في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، كما أن مهمة تقييم تلك المشاريع يوكلها البنك إلى طرف ثالث، والذي عادة ما يكون مؤسسة أو منظمة غير حكومية.

أهمية الدعم الدولي

تصنف اليمن ضمن الدول الأقل نمواً والمؤهلة للحصول على قروض ميسرة ومنح من الجهات المانحة، ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، دأبت الحكومات المتعاقبة في اليمن على تعزيز التعاون الدولي والتنسيق مع الدول والمؤسسات المانحة بهدف تمويل سلسلة واسعة من المشاريع التنموية، وتمكنت الحكومات من بناء علاقات متطورة مع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، من خلال عقد عدد من مؤتمرات المانحين، والحصول على تعهدات من الجهات المانحة لما يقارب 18 مليار دولار لتمويل خطط التنمية وبرامجها، وجاءت الحرب لتقطع زخم تلك العلاقات التنموية، ولتخسر اليمن قرابة 50% من تلك التعهدات، إضافة إلى ضياع فرص تمويل مشاريع التنمية خلال فترة الحرب.

ورغم ذلك، ظل المانحون يواصلون الدعم الإنساني والإغاثي لليمن خلال سنوات الحرب، وعُقدت مؤتمرات سنوية للمانحين لدعم خطط الاستجابة الإنسانية بلغت ذروتها في عام 2019 بأكثر من 4 مليارات دولار، ولكنها تراجعت في عام 2024 إلى قرابة 700 مليون دولار، مما يعبر عن عزوف المانحين عن الأزمة الإنسانية اليمنية وبروز أزمات أخرى في المنطقة “السودان، غزة، لبنان”.

ما العمل؟

الظروف الإنسانية والتنموية المتدهورة في اليمن تفرض على أطراف الصراع في كل من عدن وصنعاء الدخول في حوار جاد لاستكمال التوقيع على توافقات خريطة الطريق لإنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة الوئام والسلام، وبالتوازي مع ذلك التوافق على تحييد الملف الاقتصادي والتنموي وتفعيل الأدوات والآليات اللازمة لمعالجة الأوضاع التنموية المتردية، ويمكن التنسيق مع مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” لإعداد وثيقة وطنية “برنامج أو خطة” مرحلية لمدة 3-5 سنوات، تتضمن الأولويات العاجلة “الإنسانية” والمتوسطة المدى “التنموية” لمعالجة الاحتياجات الإنسانية والتنموية في مختلف القطاعات والمحافظات، ولتكون بديلاً عن خطة الاستجابة الإنسانية السنوية، وهذا الأمر يتطلب العمل على محورين أساسيين:

الأول: توفير الموارد المالية المحلية لتمويل البرنامج أو الخطة الوطنية، من خلال عوائد تصدير النفط والغاز والإيرادات الضريبية والجمركية.

والثاني: الترتيب لعقد مؤتمر للمانحين لعرض الوثيقة الوطنية بهدف حشد الموارد من مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية ومن صناديق الدول الشقيقة والصديقة ومؤسساتها لسدّ فجوة التمويل للمشاريع التنموية الواردة في الوثيقة الوطنية.




ترامب والبيتكوين : هل تصبح العملة الرقمية سلاح أمريكا الجديد في الاقتصاد؟

  • المركز الديمقراطي العربي

مع إعلان فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، شهدت أسعار البيتكوين قفزة تاريخية، حيث تجاوزت قيمتها حاجز الـ 75,000 دولار لأول مرة على الإطلاق. جاء هذا الارتفاع انعكاسًا للتوقعات المرتفعة حول سياسة ترامب الجديدة تجاه العملات الرقمية، وهي سياسة يُتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على أسواق المال العالمية وأن تضع الولايات المتحدة في طليعة الدول الداعمة لهذا القطاع المتنامي.

الاستثمارات الضخمة والتغيرات التنظيمية التي من المحتمل أن تواكب عهد ترامب الجديد قد تجعل من البيتكوين والأصول الرقمية الأخرى جزءًا من الاقتصاد الأمريكي الرسمي، الأمر الذي أثار اهتمام مجتمع العملات الرقمية حول العالم ودفع بالمستثمرين والمؤسسات إلى توقع مسار صاعد للبيتكوين، قد يُعيد تشكيل الخريطة المالية للولايات المتحدة والعالم. في هذا التقرير، نغوص في أسباب هذا الانتعاش المفاجئ، ونتناول تأثير فوز ترامب على مستقبل البيتكوين، وتأثيرات هذه السياسات على التجارة العالمية، ودور منطقة الشرق الأوسط في هذا المشهد الاقتصادي الجديد.

أسباب انتعاش البيتكوين بعد فوز ترامب

  • وعود ترامب لمؤيدي العملات المشفرة

وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب العملات الرقمية كمحور رئيسي ضمن وعوده الاقتصادية، مُبشراً خلال حملته الانتخابية بحقبة جديدة من الدعم لسوق الكريبتو، مع وعود جريئة بتعزيز استقرار البيتكوين ومنع بيع احتياطاته. واقترح سياسات لتمكين صناعة العملات المشفرة في الولايات المتحدة. ، كما تعهد بتأسيس مجلس استشاري خاص بالبيتكوين، وتسهيل القوانين التنظيمية عبر استبدال رئيس هيئة الأوراق المالية غاري غينسلر، الذي يعد من أبرز المعارضين لهذه الصناعة. كما يطمح إلى دعم عمليات تعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة لتحقيق “هيمنة طاقية” تعزز من قوة الاقتصاد الأميركي.

  • تخفيف القيود التنظيمية والبيئة القانونية الأكثر دعماً للعملات الرقمية
    يتوقع العديد من المستثمرين في سوق العملات الرقمية أن تكون سياسات ترامب أقل صرامة في التعامل مع البيتكوين مقارنة بالإدارة السابقة، مما يشجع المؤسسات الكبيرة وصناديق التحوط على الدخول بقوة في سوق الأصول الرقمية.
  • خطة إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين

اقترح ترامب خلال حملته إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين، مما يعكس توجهًا جديًا نحو اعتبار البيتكوين كأصل استراتيجي مماثل للذهب. وقد رحب مجتمع العملات الرقمية بهذه الخطة، حيث تعزز من مكانة البيتكوين كملاذ آمن، وتزايد الطلب المؤسسي عليه، مما يساهم في تعزيز الثقة في البيتكوين ودفعه نحو مستويات قياسية جديدة في السعر.

  • تعزيز صناعة تعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة

أشار ترامب إلى رغبته في أن تصبح الولايات المتحدة مركزاً عالمياً لصناعة تعدين البيتكوين، بما يعزز من قوتها التكنولوجية في هذا القطاع. تتطلب هذه السياسة استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وهي خطوة قد تقلل من هيمنة الصين في مجال التعدين، وتساهم في زيادة استقرار البيتكوين على المدى البعيد. ومن شأن هذا الدعم أن يخلق فرص عمل جديدة، ويعزز من موقف الولايات المتحدة في قطاع الأصول الرقمية.

تأثير فوز ترامب على السوق المالي للعملات الرقمية

  • تزايد الطلب المؤسسي وارتفاع أسعار البيتكوين

وفقاً لتوقعات ، فإن تخفيف القيود التنظيمية المحتمل في الولايات المتحدة قد يشجع المزيد من صناديق التحوط والمؤسسات الاستثمارية الكبيرة على دخول سوق العملات الرقمية. وهذا التدفق الاستثماري يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار البيتكوين والعملات الرقمية البديلة مثل الإيثريوم وسولانا ودوج كوين.

  • اعتبار البيتكوين كملاذ آمن وسط التوترات الاقتصادية والسياسية

قد يصبح البيتكوين ملاذاً آمناً وسط التوترات الاقتصادية العالمية، حيث يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تنويع أصول المستثمرين ضد تقلبات الأسواق التقليدية. ويرى المحللون أن فوز ترامب عزز من هذه النظرة، حيث من المتوقع أن تسهم السياسات المالية الداعمة للعملات الرقمية في دفع البيتكوين نحو القبول العالمي.

التحديات والمخاطر المحتملة

التقلبات السعرية الحادة

  • يشير تقرير من مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني إلى أن البيتكوين لا يزال عرضة لتقلبات حادة في الأسعار، ما يشكل تحدياً كبيراً للمستثمرين المؤسسيين. ورغم ارتفاع الأسعار بعد فوز ترامب، فإن تقلب السوق قد يظل عائقاً أمام استقرار الأسعار، خاصة في حال حدوث تغيرات مفاجئة في السياسات التنظيمية أو الاقتصادية.

التحديات التنظيمية والأخلاقية

  • حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من احتمالية استغلال السياسة الداعمة للعملات الرقمية لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية، وهو ما قد يؤثر على شفافية السوق واستقراره. وقد أثار مشروع ترامب الخاص “World Liberty Financial” بعض التساؤلات حول تضارب المصالح وتأثيره على مستقبل سياسات الأصول الرقمية ، وبحسب شبكة سي إن بي سي : إن منصة تداول العملات الرقمية الخاصة بترامب World Liberty Financial، أو WLF، ستمنح عائلة ترامب 22.5 مليار رمز “WLFI” بقيمة 337.5 مليون دولار حاليا، بناء على سعر 1.5 سنت لكل رمز عند الإطلاق ، وتطلق مشاريع التشفير عادة وثائق مشابهة قبل إطلاق عملاتها، وتقدم دليلا حتى يتمكن المستثمرون من معرفة المزيد عن المهمة والأهداف وكيفية تخصيص الرموز المستقبلية. وتقول وثيقة WLF إن شركة مقرها ديلاوير تدعى DT Marks DEFI LLC، التي ترتبط بالرئيس السابق، من المقرر أن تتلقى ثلاثة أرباع عائدات البروتوكول الصافية. وتروج WLF لنفسها على أنها بنك تشفير، حيث سيتم تشجيع العملاء على الاقتراض والإقراض والاستثمار في العملات الرقمية. وتصف الوثيقة ترامب بأنه المدافع الرئيسي عن العملات المشفرة، وأبناؤه هم “سفراء Web3” تقنية الجيل الجديد من الإنترنت الداعمة للتشفير.

التأثيرات على التجارة العالمية

  • زيادة التعاملات العالمية بالعملات الرقمية

وفقاً لتقرير البنك الدولي، فإن إدخال البيتكوين كأصل احتياطي في الولايات المتحدة قد يعزز من قبوله في الأسواق العالمية، مما يشجع المزيد من الدول على تبني سياسات مرنة تجاه العملات الرقمية واستخدامها في التجارة الدولية. هذا التوجه قد يؤدي إلى تحول كبير في النظام المالي العالمي حيث تصبح العملات الرقمية جزءاً من الاحتياطيات الوطنية، مما يسهم في زيادة تدفق التجارة الدولية ويقلل من الاعتماد على النظام المصرفي التقليدي.

  • تحديات أمام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية

وفقًا لمحللين في ستاندرد آند بورزى والمختصة بنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات ، فإن تخصيص احتياطي استراتيجي من البيتكوين في الولايات المتحدة قد يُنظر إليه كخطوة لتقليل الاعتماد على الدولار، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض هيمنة الدولار على التجارة العالمية، وقد يشجع دولاً أخرى على تنويع احتياطياتها من العملات. هذا التوجه قد يساهم في تقلبات ملحوظة في أسواق العملات العالمية ويؤثر على الاستقرار النقدي في العديد من الدول.

التأثير على التجارة الإلكترونية

تزايد الاعتماد على البيتكوين كوسيلة للدفع وتنامي الاعتراف الدولي به قد يسهم في تسهيل التجارة الإلكترونية عبر الحدود. وتشير غرفة التجارة الأمريكية إلى أن العملات الرقمية قد تسهم في تقليل التكاليف والوقت اللازم لإتمام الصفقات التجارية، مما يعزز التبادل التجاري بين الدول ويحفز نمو الاقتصاد الرقمي.

التأثير المتوقع على منطقة الشرق الأوسط

تحفيز الاستثمارات في الأصول الرقمية

  • مع ازدياد دعم العملات الرقمية في الولايات المتحدة، قد تشهد منطقة الشرق الأوسط اهتماماً متزايداً بتطوير بنيتها التحتية في مجال الأصول الرقمية والتكنولوجيا المالية. وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، يمكن لدول المنطقة أن تستفيد من الابتكارات في العملات الرقمية لتسريع التحول الرقمي وتحقيق التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط. وتعتبر الإمارات العربية المتحدة مثالاً على ذلك، حيث تبنت سياسات داعمة للعملات الرقمية وجذبت العديد من الشركات العالمية للعمل في المنطقة.

تعزيز الشراكات في مجال التعدين والتكنولوجيا

  • قد يؤدي تحول الولايات المتحدة إلى مركز عالمي لصناعة تعدين البيتكوين إلى تعزيز الشراكات مع دول الشرق الأوسط في قطاع الطاقة، نظرًا لاحتياجات التعدين الكبيرة للطاقة. قد تصبح دول مثل المملكة العربية السعودية شريكًا محوريًا لتوفير الطاقة لعمليات التعدين الأمريكية من خلال تصدير مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية أو الوقود النظيف، مما يعزز التعاون الاقتصادي والتقني بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.

تأثير البيتكوين على التحويلات المالية

  • قد تلعب العملات الرقمية مثل البيتكوين دورًا مهمًا في تحويلات المغتربين في الشرق الأوسط، حيث يوفر البيتكوين وسيلة نقل أموال سريعة وبتكاليف أقل مقارنةً بالنظم المصرفية التقليدية. وقد يشجع هذا التوجه على تبني العملات الرقمية في المنطقة لزيادة فعالية التحويلات المالية بين العمالة الوافدة وذويهم في بلدانهم.

التأثيرات الأمنية والتنظيمية

قد تشكل الزيادة في الاعتماد على البيتكوين تحديات أمنية وتنظيمية للشرق الأوسط، خاصةً مع تزايد احتمالات الجرائم السيبرانية وتداول العملات الرقمية بشكل غير قانوني. يوصي صندوق النقد العربي بأن تواكب الدول هذه التطورات عبر تحديث اللوائح المالية وتطوير سياسات واضحة لتنظيم العملات الرقمية والتصدي للمخاطر المرتبطة بها.

التوقعات المستقبلية لأسعار البيتكوين

وفقاً لتقديرات جيه بي مورغان تشيس، من المحتمل أن يصل سعر البيتكوين إلى مستويات أعلى من 100,000 دولار في عام 2025، مدعومًا بزيادة الاهتمام المؤسسي العالمي وبدعم سياسات الولايات المتحدة المتوقعة التي تُسهم في استقرار السوق. كما تشير التوقعات إلى أن تبني العملات الرقمية كجزء من الاحتياطي الاستراتيجي في بعض الدول قد يدفع بأسعار البيتكوين إلى مستويات غير مسبوقة في السنوات القادمة، مع تزايد الطلب المؤسسي والدولي على هذه الأصول.

يمثل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية ووعده بسياسات داعمة للبيتكوين والعملات الرقمية تحولاً محوريًا في مسار الأصول الرقمية على المستوى العالمي. من المتوقع أن تعزز هذه السياسات من مكانة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية رقمية وتدفع بأسعار البيتكوين إلى مستويات قياسية جديدة. في المقابل، قد تواجه منطقة الشرق الأوسط تحولات كبيرة في اقتصاداتها وتوجهاتها تجاه العملات الرقمية، حيث تتجه دول المنطقة إلى الاستثمار في التكنولوجيا المالية واستغلال الفرص الاقتصادية الناشئة عن هذا التوجه. ومع ذلك، يجب مراعاة التحديات التنظيمية والأمنية المرتبطة بهذه التحولات، إلى جانب احتمالية التأثير على هيمنة الدولار وعلى التجارة العالمية.

وبين سطور المشهد المالي العالمي، يقف البيتكوين اليوم كرمز لحقبة جديدة تتشكل ملامحها في قلب الاقتصاد الأمريكي. فالتوجهات الأمريكية نحو سياسات داعمة للعملات الرقمية تضع البيتكوين في مركز الصدارة، ليس فقط كأصل استراتيجي، بل كعنصر محتمل لإعادة رسم قواعد اللعبة في أسواق المال. يُنذر اقتراح إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين، وتخفيف القيود التنظيمية، بإعادة تعريف العلاقة بين العملة والتجارة العالمية، بآفاق تحمل في طياتها تحديات لا تقل عن الفرص.

وبالنسبة للساحة الدولية، هذا التغيير لا يمس الولايات المتحدة وحدها، بل قد يمتد ليهز هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية، ويثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العملات الرقمية في النظام المالي الدولي. إذ ربما تجد الدول نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الاقتصادية وتنويع احتياطياتها النقدية لتشمل الأصول الرقمية، في مسعى للحفاظ على توازنات جديدة في عالم يتجه نحو مزيد من الرقمنة .




اقتصاد: الريال اليمني يستقر عند سقف جديد هو الأدنى له في التاريخ

استقر الريال اليمني لليوم الرابع على التوالي عند سقف جديد هو الادنى له في التاريخ، مسجلا في التعاملات الصباحية غير الرسمية بمدينة عدن اليوم الأثنين، 2052 لبيع الدولار الواحد، و 2042 للشراء.

 

إليكم أسعار الصرف:

• عدن

– الدولار:

الشراء: 2042

البيع: 2052

– السعودي:

الشراء: 535.5

البيع: 536.5

• صنعاء:

– الدولار:

الشراء: 535

البيع: 538

– السعودي:

الشراء: 140

البيع:140.40




عجز ميزانية السعودية الفصلي يتضاعف إلى 30 مليار ريال

سجلت الميزانية السعودية عجزاً للفصل الثامن على التوالي، حيث أظهرت بيانات وزارة المالية الصادرة اليوم بلوغ العجز للربع الثالث من العام 30.2 مليار ريال، بما يناهز صعف عجز الربع السابق، وسط تراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية.

وفقاً للبيان التمهيدي لميزانية عام 2025، الصادر في 30 سبتمبر، توقعت حكومة المملكة تحقيق عجز عند 118 مليار ريال هذا العام. ومع انقضاء ثلاثة أرباع فإن العجز التراكمي حتى الآن لم يتجاوز نصف هذا المبلغ، ما قد يترك هامشاً لتقليص مستوى العجز المستهدف، إن لم يكن هناك توجه لتوسيع هامش الإنفاق.




إلى متى تستمر حالة التدهور غير المسبوق للريال اليمني..وما جدوى الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي؟

حصري
يبدو أن تراجع البنك المركزي اليمني التابع للشرعية اليمنية عن قراراته الأخيرة بنقل مقرات البنوك الرئيسية من صنعاء إلى عدن، بفعل الضغوط والتسويات السياسية مع أنصار الله في صنعاء كان له الأثر الأكبر في الانهيار الذي وصل إليه الريال اليمني، علاوة على توقف الصادرات والاعتماد على الواردات بشكل رئيسي.
إلى متى يستمر هذا الوضع المخيف من الانهيار الاقتصادي والتضخم والغلاء والذي تفاقم بشكل كبير في العام الأخير مع اندلاع الحرب في غزة ولبنان والبحر الأحمر والتوترات السياسية غير المسبوقة والتي يمكن أن تنزلق  في المنطقة؟
بداية، يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة في جامعة عدن: ” إن إنهيار أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية يعود للعديد من الأسباب، منها تراكمات سابقة ومستجدات في الوقت الراهن”.

التراجع في القرارات

وأضاف في حديثه  ” أن تراجع البنك المركزي عن القرارات التي سبق واتخذها، كان له أثر كبير على أسعار الصرف، فقد انعكست تلك القرارات بصورة سلبية على أرض الواقع و أوجدت نوع من التشاؤم والخوف لدى الشارع اليمني ومن أصحاب رؤوس الأموال”,
وتابع الشعيبي: “لو أن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن لم يتراجع عن قراراته الأخيرة بشأن نقل المقرات الرئيسية من صنعاء وأصر على تطبيقها، ربما هذا كان سينعكس بشكل إيجابي كبير على الاقتصاد ويخلق نوع من الثقة والارتياح لدى أصحاب رؤوس الاموال والمدخرات والشارع بشكل عام، لكن ما حدث أنه تم التراجع عن القرار، الأمر الذي خلق حالة من عدم الثقة وزيادة الطلب على العملات الأجنبية للحفاظ على المدخرات”.
وشدد الأكاديمي الجنوبي، على أن “تراجع البنك المركزي عن قراراته الأخيرة بشأن نقل الفروع الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، إضافة إلى النظرة التشاؤمية والخوف من القادم رغم التطمينات الحكومية حول الودائع القادمة والدعم الخارجي من المانحين”.



الريال اليمني في أدنى مستوياته، والحكومة تتحدث عن مخطط مدبر .

تتفاقم الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى مستويات خطيرة مع تخطي الدولار الأمريكي عتبة 2000 ريال يمني خلال شهر أكتوبر الجاري. وهذه هي أدنى قيمة تاريخية للعملة التي بدأ تداولها بعد إعلان قيام الجمهورية اليمنية عام 1990.

ويهدد هذا الانهيار الجديد في قيمة الريال اليمني بمضاعفة أسعار السلع الغذائية الأساسية في الأسواق، وهو ما قد يدفع الملايين نحو الفقر المدقع، إلى جانب الملايين الذين يعيشون بالفعل مستويات وخيمة من الجوع والفقر كما تقول تقارير الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية.

الحكومة تتحدث عن مؤامرة

تنكر الحكومة اليمنية أن يكون الانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة المحلية عائد لأسباب اقتصادية. وخلال اجتماع مع قيادة البنك المركزي في عدن يوم 16 أكتوبر، تحدث رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك عن “مؤامرة” تستهدف الاستقرار الاقتصادي.

وزعم بن مبارك أن “التدهور الحاد وغير المبرر في سعر صرف العملة الوطنية يشكل تهديدًا وجوديًا للاقتصاد الوطني، ويوازي في خطورته التحديات الأمنية التي تواجه البلاد”. وقال إن انهيار الريال اليمني “ليس نتيجة عوامل اقتصادية طبيعية، ولا يتوافق مع حجم الكتلة النقدية المتداولة”.

ويوم الأحد (20 أكتوبر)، اجتمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي برئيس الحكومة بن مبارك والفريق الاقتصادي لمناقشة المستجدات الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية.

وشدد الاجتماع على حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة لمحاصرة عجز الموازنة العامة، وردع المضاربين بالعملات، وترشيد فاتورة الاستيراد والسيطرة على العرض النقدي ومراقبته، وتفعيل أجهزة الضبط وسلطات إنفاذ القانون”.

ويوم الاثنين (21 أكتوبر)، دعا مجلس الوزراء اليمني المجتمع الدولي، خاصة التحالف بقيادة السعودية والإمارات، لدعم جهود اليمن في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في ظل توقف صادرات النفط.

أوضاع إنسانية وخيمة

في بداية عام 2024، كان سعر صرف الدولار حوالي 1584 للشراء و1594 للبيع، واستمر هذا التراجع في القيمة. واليوم، فقد الريال اليمني 25% من قيمته مقارنة بما كان عليه في يناير الماضي. على مدى عشر سنوات، انخفضت قيمة الريال اليمني بأكثر من 800% مقابل الدولار الأمريكي، حيث كان سعر الصرف حوالي 214 ريالًا.

ورغم أن أسعار الصرف ظلت مستقرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لسنوات، حيث يتم تداول الدولار الأمريكي عند 533 ريالًا للشراء و535 للبيع، فإن الوضع الإنساني لا يزال مروعًا في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من انهيار العملة المحلية والارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية، لا تزال رواتب موظفي الحكومة تُدفع بنفس المعدلات كما كانت قبل الحرب. يبلغ راتب المعلم في أفضل الأحوال 50 دولارًا شهريًا.

وفي 26 يونيو، أفاد تقرير صادر عن البنك الدولي أن إجمالي الناتج المحلي في اليمن انكمش بنسبة 1% في 2024 بعد انكماش بنسبة 2% في 2023. كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة هائلة بلغت 54% منذ عام 2015.

وفي 20 يوليو، أشار تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي إلى أن نسبة الأسر التي تعاني من استهلاك غذائي غير كافٍ في اليمن بلغت 64% في أغسطس 2024، مع ارتفاع الحرمان الشديد من الغذاء في شمال اليمن حيث يسيطر الحوثيون إلى 37%.

في 11 أغسطس، قال تقرير صادر عن البنك الدولي إنَّ معدل الفقر في اليمن ارتفع إلى 74% بسبب الصراع، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد وارتفاع أسعار السلع.

مشكلات ضخمة

يرى الصحفي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، أن الاقتصاد اليمني يعاني من مشكلات هيكلية متفاقمة نتيجة عشر سنوات من الحرب التي شهدتها البلاد، وانقلاب مليشيا الحوثيين على مؤسسات الدولة. هذه المشكلات تضاعفت بمرور الوقت، ما جعل الأوضاع الاقتصادية أكثر تعقيدًا.

في حديثه لمركز سوث24، أوضح صالح أن أبرز المشكلات تمثلت في استنزاف مليشيا الحوثي للاحتياطي النقدي الأجنبي، وتعطيل الصادرات الوطنية، واستمرار سيطرتهم على موارد محلية كبيرة. كما أضاف أن الانقسام النقدي الذي أحدثته المليشيا أدى إلى استنزاف كبير للعملة الصعبة من المناطق الحكومية، حيث يتم تهريبها بشكل يومي إلى مناطق سيطرتهم عبر التبادل التجاري.

وأشار صالح إلى أن الوضع المالي للدولة يعاني من خلل عميق، حيث تواجه المالية العامة عجزًا كبيرًا في ميزان المدفوعات، وتراجعًا حادًا في الموارد المحلية للحكومة. في الوقت نفسه، تتزايد النفقات المالية، خاصة تلك المتعلقة بمدفوعات النقد الأجنبي، دون أي جهود ملموسة من قبل الحكومة لإصلاح الوضع الاقتصادي أو البحث عن بدائل لتعويض توقف الصادرات النفطية.

وأوضح أن الجمود يسيطر على أداء المؤسسات الإيرادية والمالية، مع غياب أي توجهات حكومية لتفعيل السياسة المالية أو إطلاق برنامج تقشفي لتقليص النفقات وتنمية الموارد العامة. هذه الأوضاع، بحسب صالح، تسببت في تكثيف المضاربة بالعملة الوطنية، ما أدى إلى زيادة الضغط على سعر الصرف.

على الجانب الآخر، يعتقد الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، الدكتور محمد الكسادي، أن أسباب التدهور في سعر العملة واضحة وتتمثل في تراجع قرارات البنك المركزي، التي كانت قد شكلت ضغطًا على الحوثيين. وأشار إلى أن الحكومة تواجه تحديات اقتصادية جسيمة، أبرزها توقف تصدير النفط والغاز، مما يزيد من تفاقم العجز في المدفوعات والميزان التجاري. ويعتقد الكسادي أن إعادة تصدير النفط والغاز هو الخيار الأكثر أهمية لإنقاذ الاقتصاد، ولكنه لا يكفي لحل المشكلة برمتها.

وذكر أن نقص العملات الأجنبية جعل من الاعتماد على صادرات ضعيفة أمرًا غير فعال. كما أظهرت الأرقام أن العجز في الميزان التجاري يتزايد، حيث تستورد اليمن حتى أبسط السلع مثل الشاي والمعكرونة، مما يعكس أزمة اقتصادية معقدة لا يمكن حلها إلا من خلال استئناف تصدير النفط والغاز.

فيما يتعلق بالمنح الاقتصادية والموازنات، يرى الكسادي أن المساعدات الخارجية حلًا مؤقتًا لا يعالج جذور المشكلة التي تعود إلى ما قبل الحرب. وأكد على ضرورة إصلاح قطاع الضرائب والجمارك لمعالجة الفساد والتدخلات البشرية في هذا القطاع، بهدف تحسين الإيرادات الحكومية.

وتطرق الكسادي إلى ضعف اهتمام الحكومة بالبعد الاجتماعي، مشيرًا إلى أن المواطن يعاني من الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية. كما انتقد استمرار وزارة الخارجية في الإنفاق على الوفود والزيارات دون أي تقليص، مما يزيد من عبء الإنفاق العام.

انتقد الكسادي أيضًا أداء البنك المركزي في عدن، مشيرًا إلى أن غياب الكفاءة في إدارته زاد من تعقيد الأزمة. وأضاف أن التنازلات التي قدمتها الحكومة للحوثيين بشأن بعض القرارات النقدية تثير تساؤلات حول استراتيجيتها، موضحًا أن الحكومة قد استسلمت لضغوط الوساطات الدولية بدلاً من اتخاذ إجراءات فعالة لتحسين الوضع الاقتصادي.

ختامًا، أكد الكسادي أن الوضع الحالي يتطلب إعادة هيكلة شاملة للبنك المركزي وضمان شفافية أكبر في إدارته، إلى جانب ضرورة تنفيذ إصلاحات عاجلة في السياسة المالية للحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

 

 




المسار الاقتصادي في المفاوضات اليمنية (الأولويات العاجلة والاستحقاقات المستقبلية)

 

جامعة صنعاء

 

خلال جولات التفاوض المتعاقبة بين أطراف الحرب والصراع في اليمن، يكاد يكون الملف الاقتصادي غائباً أو يأتي باعتباره قضية ثانوية في جدول أعمال طرفي التفاوض “السلطة الشرعية في عدن و”سلطة الأمر الواقع” في صنعاء”، ومنذ إعلان الهدنة بين الطرفين في أبريل 2022م، برز النقاش الجاد حول الملف الاقتصادي، وتحديداً حول تقاسم عوائد النفط والغاز، وحول الموارد العامة الأخرى مثل الضرائب والجمارك وغيرها وكيفية حشد الموارد لسداد مرتبات موظفي الأجهزة الحكومية في مناطق سيطرة سلطة صنعاء، رغم أن هذا الموضوع يعد أحد بنود إتفاق استوكهولم في عام 2018م، لكن لم ينفذ بسبب إخفاق سلطة صنعاء بالوفاء بالتزاماتها نحوه، كما أن أطراف الصراع ربما لايدركون أبعاد الأزمة الإنسانية المقلقة والأزمة الاقتصادية الحادة، ويتجاهلون الاستحقاقات الاقتصادية المرتبطة بإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي وتوفير البيئة المواتية للاستثمار، وتهيئة الاقتصاد الوطني للإندماج مع الاقتصاد الإقليمي والدولي.

 

الوضع الراهن للاقتصاد اليمني

 

يمر اليمن بمنعطف تأريخي خطير منذ إندلاع الحرب المدمرة والعبثية، أواخر عام 2014م، بين أطراف الصراع “عدن وصنعاء” وخلال تسع سنوات، أدت الحرب إلى بروز أزمة إنسانية كارثية في اليمن صنفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم المعاصر، فهناك قرابة 80% من السكان بحاجة إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية، إضافة إلى أن إنعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية من أعلى المعدلات في العالم، وارتفاع معدل البطالة عند الشباب بين 50 إلى 60 %، كما أن  أكثر من 4 مليون شخص أصبحوا نازحين في الداخل أو لاجئين في الخارج، كما يشمل مئات الألآف من الموظفين العمومين الذين فقدوا مرتباتهم الشهرية لأكثر من 7 سنوات.

 

كما أدت الحرب إلى أزمة اقتصادية حادة تمثلت في تدهور النمو الاقتصادي، وتزايد معدلات البطالة والفقر، والتراجع الحاد في عوائد صادرات النفط والغاز وعدم القدرة على دفع مرتبات موظفي الدولة في معظم المحافظات، إضافة إلى تدهور القوة الشرائية للريال وارتفاع معدل التضخم في البلاد،  كما أن الحرب أدت إلى التراجع الحاد في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وخاصة خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وخدمات التعليم والصحة، فضلاً عن التدهور الكبير في قطاع الطرقات والجسور والمطارات والموانىء بسبب الأضرار التي أصابت تلك القطاعات.

لقد أفرزت الحرب إقتصاداً مشطراً بين مناطق صنعاء وعدن وكل مكون ينتهج سياسات وإجراءات مالية ونقدية وتجارية مناقضة للآخر، كما أن سلطة صنعاء أصابت القطاع المصرفي في مقتل، فقد أصدرت قانون بمنع التعاملات الربوية أدى إلى شلل الجهاز المصرفي وعمق التشطير وينذر بكارثة للبنوك التي تواجه الإعسار المالي ومن ثم الإفلاس.

الأولويات العاجلة في مرحلة الهدنة

رغم الأزمات الحادة التي يمر بها اليمن، فإن الآمال ما تزال قائمة في إمكانية تجاوزها في الآجال المتوسطة والطويلة، ويمكن استغلال فترة الهدنة التي أصبحت شبه ثابتة لأكثر من عام في جنوح طرفي الصراع إلى توافقات أساسية وضرورية لمعالجة مظاهر التشطير والإنقسام في الاقتصاد والتشوهات والاختلالات المصاحبة لها، ووضع الحلول للأولويات العاجلة، وتشمل الآتي:

أولاً: توحيد البنك المركزي، وهذا يتطلب التوافق على الترتيبات المؤسسية والإدارية والتنظيمية لتوحيد البنك من خلال تشكيل وتوسيع مجلس إدارة مشترك للبنك بالتقاسم بين سلطتي صنعاء وعدن، وتفعيل الربط الشبكي الإلكتروني بين البنك وجميع الفروع، بحيث يكون المقر الرئيسي للبنك في عدن باعتباره المؤسسة المعترف بها دوليا والمرتبط بنظام “سويفت” -SWIFT – للتحويلات الدولية.

وتتحدد المهام العاجلة للبنك المركزي في إدارة السياسة النقدية لضمان توفير السيولة المالية ومكافحة التضخم، وتوحيد العملة وإدارة سعر الصرف، والامتناع عن الإصدار النقدي، إضافة إلى إدارة حسابات الحكومة المحتوية على الموارد السيادية “عوائد صادرات النفط والغاز والضرائب والجمارك” وتسهيل الصرف على بنود النفقات العامة وأهمها المرتبات، فضلاً عن معالجة الإختلالات في النظام المصرفي المشطر بسبب التشريعات الكارثية الصادرة من سلطة صنعاء.

ثانيا: إدارة الموارد السيادية؛ (عوائد النفط والغاز، الضرائب والجمارك)، وهذا يحتاج إلى التوافق على إعادة تصدير النفط والغاز مع الحفاظ على الحقوق السيادية لليمن، إضافة إلى وضع أسس ومعايير تقاسم الموارد السيادية بين طرفي الصراع، ومن تلك المعايير: الكثافة السكانية وحجم الموظفون العموميون ومقدار الضرائب والجمارك،  في مناطق سلطة كل طرف، مع إعطاء أولوية لصرف مرتبات موظفي الدولة في إطار سلطة صنعاء والمحرومين منها لقرابة سبع سنوات عجاف.

ثالثاً: اعتماد أسس وآليات المشاركة في الموارد العامة السيادية بين حكومات المركز وسلطات الحكم المحلي في المحافظات، وخاصة تلك المحافظات المنتجة للنفط والغاز، أو التي فيها منافذ جمركية برية وبحرية. ولمعالجة ذلك يمكن اعتماد ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني حول إمكانية تخصيص نسبة 20 إلى 25% من عوائد النفط والغاز أو من إيرادات الضرائب والجمارك المحصلة في المحافظات المعنية وتوجيه تلك الموارد لتمويل مشاريع التنمية في تلك المحافظات.

رابعاً: ضرورة رفع الحصار والحواجز عن بعض المدن والطرقات الرابطة بين المحافظات، ويأتي في مقدمتها رفع الحصار عن مدينة تعز، الذي يتسبب في معاناة إنسانية لسكان المدينة والمحافظة، إضافة إلى فتح المعابر في الطرقات الرئيسية بين المحافظات الأخرى، لتسهيل حركة المواطنيين وتنقلاتهم وانسياب التجارة الداخلية للسلع بين المحافظات بكل سهولة ويسر.

بالتأكيد؛ فإن تنفيذ تلك الأولويات ستعطي رسالة واضحة لجميع الشركاء بأن أطراف الصراع ينشدون السلام ويتطلعون إلى بناء اقتصاد مستقر وتأسيس علاقات بناءة مع المحيط الإقليمي والدولي.

استحقاقات مرحلة السلام

في ضوء اجتياز مرحلة الهدنة، فإن أمام أطراف الصراع استحقاقات كبيرة تفرض على الجميع تقديم التنازلات والجنوح للحوار والدخول في مرحلة السلام والبدء بإعادة بناء الدولة على أسس سليمة.

ومتطلبات هذه المرحلة في الجانب السياسي تشمل:

أ. العمل على إخراج اليمن من مظلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فاليمن في وضعه الراهن منقوص السيادة وتحت الوصاية الدولية، كما أن المجال مفتوح للتدخل الخارجي فيه عسكرياً، ومفروض عليه عقوبات وحصار اقتصادي، وعلى النخبة السياسية من الأطراف المتصارعة أن تدرك ذلك جيدا، وأن تسعى جاهدة لطي صفحة ذلك الفصل في أقرب الآجال،

ب. التوافق على طبيعة وأسس بناء الدولة، بما في ذلك صياغة الدستور، وأسس وقواعد الانتخابات للقيادات العليا في السلطة التنفيذية وانتخابات المجالس التشريعية، وقواعد وضوابط عمل السلطة القضائي، إضافة إلى التوافق على عدد الأقاليم التي تتكون منها، وكيفية العلاقة بين حكومات الأقاليم وحكومة المركز، وكيفية توزيع الموارد السيادية بينها.

وفي موازاة التوافقات السياسية، يتطلب الأمر وضع برنامج تنموي لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي وحشد الموارد المالية للتمويل، إضافة إلى تبني برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية وتهيئة البيئة المواتية للاستثمار الوطني والأجنبي، كما يلي:

أولاً: تنفيذ برنامج تنموي للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار:

واضح إن إعادة الإعمار لما دمرته الحرب تحتاج إلى جهود وطنية هائلة ودعم إقليمي ودولي كبير، ويمكن الإشارة هنا إلى ماورد في وثيقتين هامتين أصدرهما البنك الدولي حول تكلفة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد وحجم الاستثمارات العامة والخاصة المطلوبة لإنعاش الاقتصاد حتى عام 2030م، ويبين تقرير البنك الدولي بعنوان “التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن” لعام 2020م، أن الاحتياجات الخاصة بالتعافي وإعادة الإعمار تقدر ما بين 20 و 25 مليار دولار على مدى خمس سنوات، علما بأن التقرير شمل 15 مدينة رئيسية وثانوية و 8 قطاعات فقط. وتشير وثيقة البنك الدولي بعنوان “نحو خطة للتعافي وإعادة الإعمار في اليمن”، عام 2017، أن تحقيق النمو التحويلي السريع لليمن حتى عام 2030، يتطلب برنامجاً للاستثمارات العامة والخاصة تبلغ 100  مليار دولار، منها 54 مليار دولار استثمارات عامة و46  مليار دولار استثمارات خاصة، وهذه المعطيات تؤكد الحاجة إلى أهمية الشراكة بين حكومة المرتقبة لليمن الموحد والجهات المانحة والقطاع الخاص لتنفيذ المشاريع التنموية المقترحة حتى نهاية هذا العقد.

واعتماداً على ما ورد أعلاه، يستلزم الأمر إعداد وتنفيذ برنامج تنموي للتعافي وإعادة الإعمار خلال ثلاث سنوات بالتركيز على تحسين الأوضاع الإنسانية للفئات المتضررة من الحرب، وإعادة الإعمار وإصلاح الأضرار في قطاعات البنية التحتية، إضافة إلى إعادة الإعمار والتأهيل في قطاعات التنمية البشرية.

التعاون الدولي وحشد الموارد: يتطلب تنفيذ البرنامج تكثيف التنسيق والتعاون الدولي لحشد الموارد، من خلال  الإعداد والتحضير لمؤتمر دولي للمانحين تساهم فيه الدول الشقيقة والصديقة، وعلى رأسها دول التحالف “السعودية والإمارات” إضافة إلى مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، لتعبئة الموارد لتمويل مشاريع إعادة الإعمار، كما يمكن التوجه شرقا نحو الصين، من خلال الإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق وإلى البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وإنضمام اليمن إلى عضوية المبادرة والبنك سيمثل نافذة مهمة للحصول على تمويلات ميسرة لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في قطاعات البنية التحتية وسيساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عموم البلاد.

ثانياً: اعتماد برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية

لضمان نجاح مرحلة السلام، يتطلب الأمر تبني برنامج شامل وطموح للإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية، وذلك بهدف إعادة تأهيل وهيكلة الاقتصاد اليمني، وفقا لأفضل الممارسات الدولية، من خلال تنفيذ عدد من السياسات والإجراءات على أكثر من مسار بشكل متلازم ومتزامن:

– تبني سياسات مالية رشيدة، قائمة على إدارة الميزانية العامة بصورة شفافة ونزيهة وخاضعة للمساءلة والمحاسبة، وتهدف إلى تنمية الموارد العامة من عوائد النفط والغاز، وإجراء إصلاحات ضريبية وجمركية بهدف تنويع مصادر الإيرادات العامة حتى تتمكن الدولة من الوفاء بإلتزامات الإنفاق العام، ومنها المرتبات وتمويل المشاريع الإنمائية.

– وضع سياسة نقدية ملائمة ومنضبطة بهدف توفير السيولة المناسبة والسيطرة على التضخم، وتوحيد وإدارة سعر الصرف وتنمية الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي لضمان استقرار أسعار العملة في سوق الصرف، إضافة إلى معالجة الاختلالات في الجهاز المصرفي الناجمة عن الإجراءات الخاطئة خلال فترة الحرب،

– اعتماد سياسات تجارية منفتحة وتفعيل عضوية اليمن في منظمة التجارة العالمية ومعالجة التشوهات القائمة في الممارسات والإجراءات المتعارضة مع الاتفاقيات الدولية لضمان بناء الثقة بين اليمن والمنظمة والدول الأعضاء فيها.

– وضع برنامج فعال لإصلاح وتحديث جهاز الخدمة المدنية وترشيق الجهاز الحكومي الذي أصابه الترهل والتضخم خلال فترة الحرب، فقد عمدت كل من سلطتي صنعاء وعدن إلى زيادة التوظيف في مؤسسات الدولة بشكل مفرط مما يجعل فاتورة المرتبات لموظفي الدولة تفوق بكثير الموارد العامة المتاحة في الميزانية العامة.

– إعادة هيكلة وتفعيل الأجهزة المعنية بتعزيز الحوكمة والحد من الفساد، مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واللجنة العليا للمناقصات والهيئة العليا للرقابة على المناقصات، وتفعيل القوانين واللوائح المعنية بنظام المناقصات العامة وتنفيذ العقود مع المقاولين لضمان الشفافية والمساءلة والنزاهة والحد من العبث والفساد في المشتريات الحكومية.

ثالثاً: توفير بيئة حاضنة للاستثمار

بالتأكيد، فإن التعافي وإعادة الإعمار  يتطلب تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وفتح المجال أمامه للاستثمار في بعض القطاعات الواعدة، وتهيئة البيئة المحفّزة والحاضنة للاستثمار الوطني والأجنبي، والتي تتطلب الاستقرار السياسي والأمني، والتنفيذ الفعال للقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار ووجود جهاز تمويل مالي ومصرفي فعّال، إضافة إلى سلامة أداء أجهزة النظام القضائي والمحاكم، وتوفر البنية التحتية اللازمة لإنشاء المشروعات الاستثمارية، وبناء قدرات الموارد البشرية وتأهيلها وتدريبها لرفد سوق العمل، فضلا عن تنفيذ سياسات اقتصادية سليمة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وسلامة أداء الأجهزة الأمنية لإنفاذ القانون وحماية المستثمرين.

ختاماً، فإن معالجة الأزمة الاقتصادية تتطلب إتفاقاً سياسياً للسلام بين أطراف الصراع، كشرط مسبق وضروري لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والكل يأمل أن يتحلى أطراف الصراع بالشجاعة والنبالة في طي صفحات الدمار والخراب، وتحمل مسؤولية الحفاظ على الوطن الممزق، والجنوح إلى التوافق على العيش المشترك، وهناك مؤشرات إلى أن عام 2024م قد يمثل نقطة انعطاف إيجابية لإنهاء الحرب والصراع وتحقيق السلام والاستقرار بالبلاد،




الخبير الاقتصادي البارز الدكتور “العباسي ” يكشف حقائق “العبث الاقتصادي في اليمن والمصير المجهول”(اعادة نشر)

المشهد الأخير – خاص

تفيد التجارب من دول عديدة في العالم أن سوء إدارة الشأن الاقتصادي يقود حتما إلى إنهيار بناء الدولة وإلى تمزق النسيج الاجتماعي وإنتشار الفوضى والذهاب بالوطن والإنسان إلى المجهول، وعادة ما يكون سبب ذلك هو اتباع سياسات اقتصادية خاطئة والعجز عن تقديم حلول ناجعة لمعالجة الاختلالات والتحديات المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية التي قد تواجه البلاد في ظل الظروف العادية ناهيك عن ظروف الحرب والدمار،

والمتابع لما يجري الآن من تدهور اقتصادي في مناطق نفوذ سلطتي عدن وصنعاء سيصل إلى نفس النتيجة، فالسلطتان، خلال فترة الحرب ومدة الهدنة المستمرة منذ 3 سنوات، تعاملتا مع إدارة الوضع الاقتصادي بطريقة فوضوية ولا مسؤولة، تستهدف هدر المنظومة الإنتاجية والمؤسسية للبنية الاقتصادية في البلاد، والدلائل على ذلك كثيرة تتجسد في إنهيار القوة الشرائية للريال والتصاعد المستمر لأسعار السلع والخدمات “التضخم”، وتزايد معدلات البطالة والفقر وغيرها من المؤشرات الاقتصادية،

وما يحدث هذه الأيام في مناطق سلطة عدن خير دليل على هذا العبث والفوضى في الجانب الاقتصادي ويضع البلاد على شفا جرفٍ هارٍ مسببة أثارا كارثية على حياة الناس ومعيشتهم وكرامتهم، ويمكن الإشارة إلى بعض مظاهر سوء إدارة الشأن الاقتصادي بالتالي:

– الإخفاق في إدارة الموارد السيادية العامة وفي توريدها إلى خزينة الدولة، فالموارد المالية من النفط والغاز والضرائب والجمارك تذهب إلى حسابات جهوية “عدن، مأرب، حضرموت، المخا” خارج إطار السلطة المركزية والتي اتجهت نحو تمويل نفقاتها من مصادر تضخمية عن طريق الإصدار النقدي، وهذا كان له أثارا كارثية على سعر صرف الريال،

– الفشل في إدارة الجوانب النقدية وعدم القدرة على إدارة سعر الصرف بشكل سليم، مما جعله في خالة إنهيار مخيف أو غرق حر، وهذا له إنعكاسات خطيرة على مستوى دخول الناس ومعيشتهم، فقد تعدى سعر صرف الدولار حاجز 2000 ريال، مما يعني أن الريال فقد حوالي 90% من قوته الشرائية مقارنة بما قبل الحرب، ويُخشى أن يستمر بالتدهور نحو 3000 أو 4000 ريال في المدى المنظور، وفي هذه الحالة سيفقد الريال قيمته ووظيفته ويفقد الناس ثرواتهم ودخولهم المقيمة بالريال، وتتصاعد أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية،

من الواضح أن سوق الصرف في مناطق عدن يعاني من اختلالات كبيرة أبرزها إنكماش حجم العرض من النقد الأجنبي مع تزايد حجم الطلب على العملات الأجنبية لمواجهة فواتير الاستيراد، كما أن سلطة عدن أصبحت طرفا مؤثرا في المنافسة للحصول على الدولار لتغطية مرتبات موظفيها خارج البلاد، مما يزيد من تدهور سعر الصرف أكثر وأكثر، وللأسف فإن الإدارة العليا لسلطة عدن قد لا تحس بمعاناة الناس وشظف عيشهم، لأنها تحصل على مرتباتها بالعملة الأجنبية “الدولار، الريال السعودي، الدرهم الإماراتي”، ومن المخزي أن هذه الفئة تعيش خارج البلاد، بينما فئة الإدارة الوسطى والأدني ومعهم عامة الناس يكتوون بنار التضخم والغلاء والفقر والمعاناة،

– العجز التام عن حشد التمويل للمشاريع التنموية من الجهات المانحة “الإقليمية والدولية”، وعدم القدرة على تهيئة الظروف الملائمة للاستثمارات المحلية والخارجية، بل ساهمت السلطة في التضييق على المستثمر الوطني مما دفعه للهروب برأسماله واستثماره في الدول المجاورة، فخلال النصف الأول من العام الجاري، 2024، منحت السعودية حوالي 600 ترخيص لمستثمرين يمنيين في المملكة، وفي هذا تشترك كل من سلطتي عدن وصنعاء في تحمل وزر إيجاد بيئة طاردة للمستثمر الوطني،

وعلى الجانب الآخر، فإن سلطة صنعاء ابتدعت أساليبها الخاصة في إدارة الموارد السيادية، فقد تفننت في تنويع مصادر الجبايات المجحفة من الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والرسوم الأخرى، وأعفت نفسها من أية إلتزامات تجاه مرتبات الموظفين أو الإنفاق على المشروعات التنموية، مما يجعل السلطة مساهمة في تجميد النشاط الاقتصادي والتنموي،

كما تفتق إبداع السلطة في إصدار قانون منع التعاملات الربوية ليقضي على القطاع المصرفي ويرمي البنوك التجارية والإسلامية والتمويل الأصغر في أتون الإعسار المالي والإفلاس، ويحرم مئات آلاف المودعين من الاستفادة من ودائعهم وعوائدها، والدفع بهم إلى براثن الفقر والفاقة، إضافة إلى عجز تلك البنوك عن تمويل التجارة الخارجية مما يعني الإنغلاق عن العالم الخارجي، ويصبح مصير البنوك إلى المجهول،

وفي جانب السياسة النقدية، تمكنت سلطة صنعاء من تحقيق الاستقرار النسبي لسعر الصرف، لكنها أخفقت في المحافظة على استقرار التضخم، فأسعار السلع والخدمات تتزايد بشكل مستمر وأثقلت كاهل المواطنين محدودي الدخل،

كما أن سلطة صنعاء تتبع سياسة ممنهجة لتضييق الخناق على القطاع الخاص من خلال الجبايات والإتاوات المتنوعة والمتكررة، وإغلاق نوافذ التمويل للمشاريع الاستثمارية من القطاع المصرفي الذي أصبح في حالة موت سريري، إضافة إلى عرقلة أنشطة وأعمال المنظمات الدولية العاملة في مجال الدعم الإنساني والإغاثي، وقطع جسور التواصل مع الجهات والمؤسسات المانحة الإقليمية والدولية إلى درجة إلغاء الوزارة المعنية بالتعاون الدولي من هيكل الحكومة،

إن حالة العبث الاقتصادي الممارس من سلطتي عدن وصنعاء تقود إلى الاستنتاجات التالية:

– إن كلا السلطتين تديران الموارد السيادية للبلاد بطريقة غير مسؤولة بعيدا عن الشفافية والمساءلة، وهذا يعني إتساع دائرة الفساد المالي والإداري، خاصة وأن كلا السلطتين ليس لهما ميزانية عامة معلومة وموافق عليها من السلطة التشريعية، وكل هذا يؤكد حجم العبث والفوضى في إدارة الشأن الاقتصادي في مناطق عدن وصنعاء،

– تتحمل السلطتان في عدن وصنعاء مسؤولية عدم الوصول إلى إتفاق سياسي ينهي الحرب، وللأسف، فقد استمرءا إدارة البلاد في ظل اللاحرب واللاسلم لتعظيم مكاسبهم الشخصية بعيدا عن المساءلة والمحاسبة، وغير عابئين بهموم الناس وظروف عيشهم القاسية،

– إن كل المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالتضخم وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية والبطالة والفقر تدل أن الأوضاع تتجه نحو المجهول وأن كلا السلطتين فقدتا الشرعية السياسية والشرعية الاقتصادية،

–  إن كلا السلطتين تتحملان مسؤولية عزل اليمن ووضعه خارج مسار العلاقات والتعاون مع المحيط الإقليمي والدولي، وما يدل على ذلك عزوف الجهات المانحة عن تقديم الدعم الإنساني والتنموي لمعالجة الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد لأكثر من عقد من الزمن،

– إن كلا السلطتين أخفقتا في تلبية توقعات الناس في كل مناطق اليمن حول الرغبة بالسلام والاستقرار وتجاوز مرحلة الحرب وتداعياتها الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية،

– إن كلا السلطتين فشلتا فشلا ذريعا في توفير بيئة حاضنة للاستثمار الوطني والأجنبي، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية وعدم القدرة على توليد فرص العمل للشباب والذين أصبحوا ينشدون الهجرة إلى الخارج ويواجهون الويلات في سبيل بحثهم عن فرص العيش الكريم،




محمد الكسادي يكشف سبب انهيار العملة المحلية في اليمن.. وخطوات تعافي الريال اليمني

تراجعت قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر الذي تشهده اليمن نتيجة حرب ميليشيات الحوثي الإرهابية، واستمرارهم في خلق حرب اقتصادية جديدة ضد اليمنيين والقطاعي المالي والمصرفي.

◄ ما سبب تراجع قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق؟

وحول هذا الأمر قال الدكتور محمد صالح الكسادي الباحث الاقتصادي ورئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بكلية العلوم الإدارية بجامعة حضرموت إن هناك أسباب عديدة حول تراجع قيمة الريال اليمني وانهيار العملة المحلية في البلاد منها ارتفاع فاتورة الاستيرادو ايقاف تصدير النفط قرابه ثلاث سنوات والغاز 10سنوات وشحه الموارد الان للدولة ونفقات كثيرة على البعثات الدبلوماسية تتجاوز شهريا 110مليون دولار.

وأوضح الباحث الاقتصادي اليمني بأن من ضمن أسباب الانهيار للعملة المحلية ببلاده تدخل الامم المتحدة في إيقاف قرارات واجراءات البنك المركزي اليمني في يوليو 2024.

وتابع: أن الاكثار من استيراد السلع الكماليه والرفاهية وعدم حصر الاستيراد في السلع الأساسية يأتي ضمن الأسباب التي أدت لانهيار العملة كما أن أحداث البحر الأحمر وضرب السفن من قبل جماعة الحوثي ودخولها على خط حرب غزة ولبنان  أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن  ويتم عكسها على أسعار السلع.

 ما هي سبل المعالجة كي تنهض العملة المحلية باليمن؟

واختتم حديثه لـ “الفجر” حول سبل معالجة انهيار الريال اليمني حيث قال إنه يستوجب تفعيل مؤسسات الدولة من بنك مركزي ومصلحه الضرائب، والجمارك والقضاء على الفساد المستشري فيها وتقليص فاتورة الاستيراد  واقتصارها على السلع الأساسية وإعادة تصدير النفط والغاز وإعادة النظر في النفقات الغير مبررة في السلك الدبلوماسي وكذلك، سفريات الحكومة والوزراء والوكلاء رؤوساء الجامعات  للخارج للضرورة القصوى وجعل موارد الدولة في وعاء واحد وعدم تشتتها بين المحافظات.




كيف يؤثر خفض أسعار الفائدة على البنوك الخليجية؟