4 أكتوبر، 2025

المستشار نجيب يماني يكتب: رؤية لمعالجة الفقر في اليمن

image_pdf

لا يمكن فصل مشكلة الفقر في اليمن عن الأزمة الإنسانية والاقتصادية الحالية، وبالتالي، يجب أن ترتكز أي خطة على ثلاثة محاور رئيسية:
١.الإغاثة الفورية، ٢.التعافي الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط،
٣.التنمية المستدامة على المدى الطويل.

المحور الأول: الاستجابة الطارئة وتثبيت الوضع الاقتصادي (المدى القصير)

هذا المحور هو الأساس، ولا يمكن بناء أي خطة تنموية دون تحقيق الاستقرار النسبي
أولاً.تفعيل شبكات الأمان الاجتماعي: يجب توسيع نطاق برامج التحويلات النقدية الطارئة لتصل إلى الفئات الأكثر ضعفاً. هذه البرامج، التي تديرها منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي، يجب أن تكون مستدامة وتصل للمناطق النائية.

تثبيت سعر صرف العملة: يعد الانقسام المصرفي وتدهور قيمة الريال اليمني من أكبر أسباب التضخم الذي يضرب القدرة الشرائية للفقراء. يتطلب هذا تنسيقاً بين الأطراف السياسية واستعادة دور البنك المركزي الموحد.

استئناف دفع الرواتب: يعد دفع رواتب موظفي القطاع العام أمراً حاسماً، لأنه يعيد جزءاً من القوة الشرائية ويحيي النشاط الاقتصادي.

تسهيل وصول المساعدات الإنسانية: ضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية دون عوائق هو خطوة أساسية لإنقاذ الأرواح والتخفيف من الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال.

الأدوات الممكنة: برامج التحويلات النقدية المدعومة من الجهات المانحة، وتوحيد السياسات النقدية، وتفعيل آلية دفع الرواتب، وتأسيس ممرات آمنة لإيصال المساعدات.

المحور الثاني: التعافي وإعادة الإعمار (المدى المتوسط)

بمجرد تحقيق قدر من الاستقرار، يمكن الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار وإحياء الأنشطة الاقتصادية.

إعادة بناء البنية التحتية المتضررة: استهداف مشاريع البنية التحتية مثل إصلاح الطرق، والمستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والكهرباء. هذه المشاريع لا تحسن نوعية الحياة فحسب، بل تخلق أيضاً فرص عمل قصيرة الأجل من خلال مشروع الأشغال العامة (PWP) الذي يستوعب العمالة المحلية.

دعم الزراعة والأمن الغذائي: تعتبر الزراعة مصدر الدخل الأساسي لأكثر من نصف السكان. يجب دعم المزارعين الصغار عبر توفير البذور، والأسمدة، والمياه، وتقنيات الري الحديثة.

تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة: هذه المشاريع هي محرك النمو في أي اقتصاد. يمكن توفير قروض صغيرة، وتدريب مهني للشباب والنساء، وتسهيل الإجراءات القانونية لبدء الأعمال.

تعزيز دور القطاع الخاص: يجب تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاعات غير النفطية مثل الاتصالات، والخدمات اللوجستية، والسياحة الداخلية، والموارد البحرية.

الأدوات الممكنة: صندوق إعادة الإعمار، برامج التمويل الأصغر، مبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودعم المشاريع الزراعية.

المحور الثالث: التنمية المستدامة والتمكين (المدى الطويل)

الهدف النهائي هو كسر حلقة الفقر بشكل دائم من خلال الاستثمار في الإنسان والمؤسسات.

الاستثمار في رأس المال البشري: إصلاح وتطوير قطاعي التعليم والصحة. يجب أن يكون التعليم مرناً ومبنياً على المهارات المطلوبة في سوق العمل، وأن يكون هناك تركيز على التدريب المهني والتقني.

تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد: لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون وجود مؤسسات شفافة وفعالة. يجب تطبيق قوانين صارمة لمكافحة الفساد، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد.

تمكين المرأة والشباب: يجب إعطاء المرأة دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية من خلال توفير فرص متساوية في التعليم والعمل والقيادة. كذلك، يجب إدماج الشباب في عملية التنمية والاستفادة من طاقاتهم الإبداعية.

تطوير القطاع المالي: يجب إعادة بناء القطاع المصرفي وضمان وصول الخدمات المالية إلى كافة شرائح المجتمع، وخاصة في المناطق الريفية.

الأدوات الممكنة: خطط التنمية الوطنية، إصلاحات إدارية، برامج تدريب وتأهيل للشباب، قوانين مكافحة الفساد، ومبادرات التمويل الشامل.
الخلاصة
معالجة الفقر في اليمن تتطلب خطة استراتيجية متكاملة تتجاوز مجرد الإغاثة الإنسانية. إنها عملية متعددة المراحل تبدأ بتثبيت الوضع الطارئ، تليها مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، وتنتهي بمرحلة التنمية المستدامة التي تعيد بناء الاقتصاد والمؤسسات والإنسان اليمني. لا يمكن تحقيق أي تقدم دون تسوية سياسية دائمة، لأن الصراع هو السبب الجذري للأزمة الاقتصادية والإنسانية في المقام الأول.

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *